الثلاثاء، 24 مارس 2015



الشيخوخة
رزق فـــــرج رزق. ليبيا
جلس الجميع على الشاطئ جماعات وأفراد ، ورغم كل ظروف الحياة القاسية الا أن الكل منتشي ،يداعب أريج اللحظة ، فأمواج البحر تعزف لحن الحياة ، وطائر النورس يرقص على أنغامها .
كل المتواجدين على الشاطئ ينصتون لذلك اللحن الرائع الضارب في عمق الزمن ، شئ ما جمع هذه الوجوه الشاردة ، وان كانت قد وضعت بعض الأصباغ ألا أن الحزن بدا واضحا على بعضها .
حاولت الجلوس بجانب رجل جالس على طاولة والسيجارة تعانق شفتيه ، وأمامه فنجان من القهوة.
استحيت في النهوض من أمامه ، ولكن لا فائدة فرائحة القهوة والسيجارة تدغدغ انفي والحساسية فتكت بخلايا الشم ، ولم اعد افرق بين رائحة القهوة ودخان السيجارة وبين رائحة الحدائق وعبيرها ، ولم يعد قلبي يفرق بين الحب و الكره .
الشمس قاربت على الغروب حتى ان ألوانها امتزجت بألوان البحر والأصداف وطيور النورس ، ورسمت وشما على جبين الماء سرعان ما تلاشي .
وقفت مودعاً الرجل ، أخذت أجُر قدميَّ في خطي بطيئة على رمال الشاطئ .
صاح طفل يقصدني يطلب مني أن أُعيد الكرة إليه ، وقد استقرت بالقرب مني ، وقفت وحملتها بين يدي ، أنتا بني شعور غريب حرك في داخلي مراكب الصبا التي قد رست في ميناء الشيخوخة السابقة أو أنها تتعالي صيحات الأطفال ،يستعجلونني في أعادة الكرة إليهم .
تعتريني نشوة قذف الكرة لكنني مؤمن بعجزي عن ذلك ، لأنني لم اعد مثل أيام زمان ، أيام مداعبة الكرة مع أطفال حي الحطية ، وقضاء أغلب الأوقات مطاردتها .
أعدت الكرة إليهم ،حينها كانت الشمس تزداد احمراراً .
لتصبغ الوجوه بلون الذهب .
وعاد الأطفال يقذفون الكرة ويتبعونها بعشوائية والآباء ينفظون رمال الشاطئ المتعلقة بهم ، وأنا أصارع الشيخوخة المبكرة التي لازمتني وأنا لا أتعدي الثالثة والعشرين من عمري في ذلك اليوم المرير . كانت الأيام تمر مابين هدوء متعب في العمل وقلق مريح في المنزل ، ومع الوقت بدأت انساق ارتياحا لهذا الوضع المتأرجح حتى جاء ذلك اليوم المرير ، قد يكون نعتي له بالمرير مدحا فيما لو قورن بما هو على حقيقته . بدأ ذلك اليوم مثل غيره وكالمعتاد ، ولكن كل شئ تغير بمجرد وصولي نقطة التلاقي .
لقد كانت لحظة ماكرة تلك التي ألقيت بها ناظري صوب سطح الرصيف لأجدها ترمقني بنظرة يملؤها كل ما في الأرض من خبث ومكر معاً .
لا أذكر ماذا حدث بعدها .
كل ما أذكره هو لون بساط سطح غرفة العمليات وهو يهوي نحو وجهي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق