الأحد، 29 مارس 2015

مغالطات واجب تصحيحها في كتاب:(البـطنان مــعارك وقصائد)

مغالطات واجب تصحيحها في كتاب:(البـطنان مــعارك وقصائد)
رزق فرج رزق
نسعد كثيراً عندما يصدر لكاتب من مدينتي كتاباً في أي مجال من مجالات المعرفة، لكن هذه المرة سعادتنا لم تدم بإصدار كتاب (البطنان معارك و قصائد) لمؤلفه حسين نصيب المالكي ،الصادر عن مركز نهر النيل للنشر، الموصوف بالدراسة ،التي أعدها - كما جاء في تقديمه - وفاءً منه لتاريخ الجهاد و تقديراً لدور المجاهدين، واحسبني أن المجاهدين لو كانوا على قيد الحياة لشاطروني الحزن على ما طال تاريخهم و تجاهل دور بعضهم. وما أن يطالعك العنوان حتى تعتقد أنه إثراءً مهماً ظهر على السطح الراكد سيحدث تموجاً بالشعر في التوثيق لدور المجاهدين في تاريخ الجهاد – حسب العنوان – إذ ما ربطنا المعارك بالقصائد. و لكن ما أن تقرأ العنوان و تترك لبصرك العنان والتأمل في الغلاف وتصميمه ، تعود مرة أخرى إليه - أي العنوان- وينتابك شعور أن الكاتب قد فجر قنبلة عن الصفحات المظلمة في حركة الجهاد في جرأة غير مسبوقة، ولم نعهدها من قبل. كون الغلاف عبارة عن أغصان أشجار متساقطة الأوراق تماماً، وغـروب خريفي يطغى عليه السواد. لتكتشف بمجرد فتحك الصفحة الأولى أنه من تصميم (ريهام سمير) التي يبدو أنها لم تتعرف عن الجهاد الليبي حتى من الكتاب الذي تصمم له. وولوجك في صفحات الكتاب يفاجئك بتقديم مختصر ؛ يذكر فيه أنه اعتمد على الرواة في دراسته .. لتكتشف في قائمة الرواة و المراجع أنه يذكر أسماءً ثلاثية منزوعة الصفة والعنوان وتاريخ الميلاد و الوفاة. وعنون للمقدمة بــ ( حركة الجهاد في البطنان ودفنة " من سنة 1911م وحتى سنة 1932م)، وارداً فيها الموقع الجغرافي وأهميته الاستراتيجية ، ذاكراً اقتباسات مباشرة دون التهميش لها ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ( قول مارتينو في سنة 1883م " إن الشعب المسيطر على طبرق ... إلخ" و كذلك قول أحد أعضاء مجلس الشيوخ الايطالي في كتاب له: " إن الدولة التي تسيطر على مدينتي طبرق وبنغازي ... إلخ ) ص6. كما يستوقفك الأسلوب في بعض المواضع ، منها : (... رأى المسئولون السفن الحربية ... ) ص7 ، و الفعل (رأى ) هنا أراد به (شاهد) . وفي ص 11 يفرد الكاتب مساحة للمجاهد الشيخ المبري ياسين دون التهميش إلى ما ذكر، لكن المُطلع سيكتشف أنها ملخص من كتاب معركة الناظورة ص (26 -30) الذي شارك المالكي في إعداده مع الأستاذ عاشور الدمنهوري. وفي حديثه عن معركة الناظورة التي كانت أولى معارك الجهاد لم يضف أي جديد بل اكتفى بنقل ما ورد في كتاب (معركة الناظور)، و أهمل ما قيل فيها من شعر اللهم الا بعض أبيات بترهن من قصيدة رواها الراحل محمد عوض بوغرارة: (على الناظورة صار نهار * * جميع المسلم فيها اخيار) تاركاً قصيدة المرحوم ابو بكر البوال السعيدي الشهيرة التي تقول : ( أول اسوالي باسم رب العالي ** جل جلاله فوق كل مكان) ومن بين أبياتها : (تريساً نقاوي ع الرصاص تقاوي ** ما ايريبوا من كبهة الطليان) و التي تجسد معركة الناظورة و المشاركين فيها خير تجسيد. بذكره للمشاركين فيها من أفراد و عائلات وبطون من قبائل اسهموا في رسم تاريخ النضال. و يأتي ذكر باقي المعارك في مختصر سطور كما ترد في المعاجم التاريخية بدون تفاصيل، و تأتي مغالطة أخرى فيما ورد لدى الكاتب في معركة المفصل الواقعة بتاريخ : 11مارس 1912م ، ان المجاهد بوسبيخة من بين المستشهدين فيها، و يأتي ذكر المجاهد بوسبيخة في معركة وادي العودة الواقعة في 12 مايو 1912م و انه قد وقع في الاسر و تم اعدامه رمياً بالرصاص في اليوم التالي في وادي امريرة، وهناك مصادر تقول أن متموح بوسبيخة تم القبض عليه في معركة وادي السهل. كما ذكر الكاتب بيت الشعر الشهير : ( الدايم الله يا متموح * * * اليوم يانك في الغريق مطوح) ولم يقتصر الخطأ لدى الكاتب على نقل البيت ، بل طال حتى تنسيبه ؛فقد نسبه لوالد المجاهد متموح بوسبيخة احميدة، وهي في الحقيقة مطلع أبيات نظمها الشاعر المشهور هاشم بوالخطابية الذي أفرد له المالكي جهداً خاصا أوسمه بــ : ديوان (هاشم بوالخطابية - دراسة و تحقيق) و أحسبه هو الأخر لم يحقق فيه شيئاً من شعر الشاعر، و أذكر أني قلت له يوما اكتفي بعبارة عرض و دراسة. كما تجاهل الكاتب أبيات الشعر المشهورة التي قالها والد الشهيد متموح بوسبيخة - راثياً أبنه ومعزياً نفسه - نذكر منها مطلعها المعبر كثيراً : (الله يربحه حودد احدود النوفه *** حتى أن مات ما عندي عليه حسوفه) كنت تمنيت على الكاتب افراد مساحة أوسع في كتابه لمن حُفرت اسمائهم على جبين التاريخ ولعبوا دوراً كبيراً في حركة الجهاد والمقاومة الوطنية في البطنان ، من أمثال القائد يوسف رحيل المسماري الذي قاد العديد من المعارك حتى بعد استشهاد شيخ الشهداء عمر المختار، إلى أن استشهد في معركة أم ركبة. و كذلك المجاهد سليمان مفتاح الجالي و المجاهد عثمان امراجع العدلي والمجاهد البناني مكائيل هاشم الذي استشهد فـــي معركة وادي قشاش. والمجاهد التواتي عبدالجليل العرابي قائد معركة (الكراهب) الشهيرة، و المجاهد هاشم سليمان الذي كبد الطليان خسائر جمة في وادي السهل و استشهد فيه، و نُصب له ضريحاً تتقدمه قصيدة الشاعر سالم البنكة الشهيرة معلقة على رخام و واضحة للعيان ، يقول مطلعها : ( ليش ما شرفوك في العلو *** نين ينظروك الحرابي يا فارساً تردع المِيل *** في يوم هد الطوابي ) من الناحية المنهجية يقف الكتاب دون مستوى الدراسة، كونه يفتقر إلى أساسيات البحث العلمي، من حيث التهميش، و يقتصر في إعداده على بعض المراجع بعضها من تأليف الكاتب نفسه، والخلط بين أكثر من طريقة من طرائق البحث العلمي في قائمة المراجع ، وعدم الرجوع إلى الأساسية، منها ( برقة "الهادئة"، لقراتسياني ، وليبيا بين الماضي و الحاضر " للدكتور حسن سليمان محمود، وحركة المقاومة الوطنية للدكتور يوسف البرغثي) وغيرها كثير، وتجاهل الدور الكبير لمركز جهاد الليبيين وإصداراته المقروءة والمسموعة والتي بينها روايات شفوية موثقة لرواة شهود عيان لحركة الجهاد منهم على سبيل المثال: ( رشيد سلامة المنفي، سليمان اسماعيل بوعلجية ، درمان ارواق درمان، مفتاح أبو مصورة، التواتي عبدالجليل العرابي ،وغيرهم كثير لا يتسع المجال لذكرهم و لا ينفع الحديث عن البطنان معارك وقصائد دون ذكرهم، كذلك الاعتماد على بعض المراجع التي تتناقض مع ذاتها، وتعترف بعدم تمكنها من الحصول على المعلومات، بالرغم من توفرها. كما اكتفى في جزء (قصائد في وصف طبرق)، على ثلاث قصائد من الشعر الفصيح، أولها للشاعر محمد الحصادي بعنوان "في وصف طبرق" و الثانية للشاعر حسين الحلافي بعنوان "طبرق" وأخرها للشاعر الدكتور شعبان محمد عوض بعنوان "أغنية إلى طبرق" ، أما في جانب الشعر الشعبي فاقتصرت على قصيدة للشاعر فضيل الشلماني " تهاتن على البطنان" وقصيدتين للشاعر هاشم بوالخطابية المعنونتين بــ : ( طبرق ، البطنان) سبق للكاتب نشرهما في ديوان هاشم بوالخطابية، ونسى أو تناسى العديد من القصائد التي نظمها الشعراء و لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن البطنان معارك وقصائد، منها قصيدة الشاعر الكبير الطالب دخيل الشهيبي، الذي قالها في معركة "الكراهب" و مطلعها : (صار في الكراهب يوم عاب عجلهن * * ردن بلا راده وقطعوا هلهن ) . ناهيك عن قصيدته الشهيرة"زينك يوم يوم الغبي بيده" الذي أكتفى الكاتب بذكر أبيات منها، بالرغم من أهميتها في التوثيق و تعزيز صحة الروايات في معركة الغبي. هذه بعض من جملة ملاحظات حول كتاب : ( البطنان معارك و قصائد) للكاتب حسين نصيب المالكي، وتبقى ملاحظاتنا هذه حرصاً منا على تاريخ الجهاد و دور المجاهدين الذي يكمل بعضه بعضاً ، اتمنى على المالكي أخذها بعين الاعتبار، لأن الخوض في هذا المجال ليس بالأمر السهل. بل يظل توثيقاً لحقبة مشرقة ستظل مزدهرة خضراء في صفحات التاريخ ،مهما طال خريف الزمان ، فلن تتساقط أوراقها ، واجب علينا حماية اشراقتها ، والبحث في هذا المجال الذي يحتاج إلى مزيد الجهد.ـــــــــــــــــــــــ نُشر في المأثور الشعبي العدد (75) بتاريخ 3/1/2011م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق